من أخلاق الإسلام الخالدة ...
صلة الأرحام ...
قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
* فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم *
وأمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى...
وهم الأرحام الذين يجب وصلهم فقال تعالى :
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة:83) .
وفي سنة المصطفى صاحب الخلق العظيم محمدﷺ...
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول:
( قال الله تبارك وتعالى : أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم،
وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتَتُّه )
رواه الترمذي وأبو داود وأحمد في المسند،
وصححه الترمذي والألباني .
الرحم: القرابة من ذوي النسب والأصهار .
وصلها: الصلة البر وحسن المعاملة ،
وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين والعطف عليهم ،
والرعاية لأحوالهم، وقَطْعُ الرحمِ ضد ذلك كله.
بتته: البت القطع قطعت عنه رحمتي في الدنيا والآخرة.
فضل صلة الرحم
سبحانه وتعالى عظم قدر الأرحام فقال تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (النساء:1).
وردت أحاديث كثيرة ترغب في صلة الأرحام وتبين أجرها وثوابها، فصلة الرحم شعار المؤمنين بالله واليوم الآخر،
ففي الحديث قال رسول اللهﷺ :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) رواه البخاري ، فهي من أعظم أسباب زيادة الرزق والبركة في العمر،
قال رسول الله ﷺ:
( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ؟؟؟
فليصل رحمه ) رواه البخاري ِ،،،،
وعند الترمذي أن رسول الله ﷺ قال :
( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ،
فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر) .
وصلة الرحم توجب صلة الله للواصل والرحمة به،
وتتابع إحسان الله وخيره وعطائه على العبد،
وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله ...
قال رسول اللهﷺ :
( أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم...)
رواه أبو يعلى وحسنه الألباني .
كما أن صلة الرحم من اهم أسباب دخول الجنة وأعظمها
قال رسول اللهﷺ :
( يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام )
رواه أحمد و ابن ماجة ........
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه :
أن رجلاً قال للنبي ﷺ: أخبرني بعمل يدخلني الجنة .
فقال النبي ﷺ : ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة ،
وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري..
قطيعة الأرحام ...
من أشنع كبائر الذنوب ...
وقطيعة الرحم ذنبٌ عظيمٌ، يفسد الروابط بين الأهل والأقارب ،
ويشيع العداوة والبغضاء، ويفكك التماسك الأسري ،
وقد جاءت النصوص بالترهيب من الوقوع في هذا الذنب العظيم، ولأنه من أسباب حلول اللعنة وعمى البصر والبصيرة...
قال ربنا سبحانه وتعالى :
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) (محمد: 23-22)، وأكثر من ذلك فعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة،،،
قال رسول الله ﷺ :
( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا
مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم )
رواه الترمذي وغيره،
وكذلك أن قطيعة الرحم من أكثر أسباب حرمان الجنة
ورد الأعمال على صاحبها،
قال رسول الله ﷺ :
( ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع الرحم ) رواه أحمد
ففي البخاري من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه
أن رسول الله ﷺ قال: ( لا يدخل الجنة قاطع )...
يعني قاطع رحم والله أعلم ...
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه :
كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال :
أنشد الله قاطع الرحم لمَا قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا،
وإن أبواب السماء مرتجة - أي مغلقة - دون قاطع الرحم .
بم تكون الصلة ؟
صلة الرحم تكون بأمور عديدة منها الزيارة والسؤال ،
وتفقد الأحوال ، والإهداء إليهم ، والتصدق على فقيرهم ،
وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم وضعفتهم ،
ومن صلة الرحم عيادة المريض منهم ، وإجابة دعوتهم ، واستضافتهم، وإعزازهم وإعلاء شأنهم ،
وتكون -الصلة أيضًا - بمشاركتهم في أفراحهم ومواساتهم
في أتراحهم ، والدعاء لهم ، وسلامة الصدر نحوهم ،
وإصلاح ذات البين إذا فسدت ،
والحرص على توثيق العلاقة وتثبيت دعائمها معهم ،،،
وأعظم ما تكون به الصلة :
أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبذل الجهد في هدايتهم وإصلاحهم.
ليس الواصل بالمكافئ !!!
وقد يصل البعض أقاربَه وأرحامَه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا ليس بواصلٍ في الحقيقة، فإن مقابلة الإحسان بالإحسان مكافأة ومجازاة للمعروف بمثله، وهو أمر لا يختص به القريب وحده،
بل هو حاصل للقريب وغيره،
أما الواصل - حقيقةً - فهو الذي يصل قرابته لله،
سواء وصلوه أم قطعوه،
وفي هذا يقول رسول الله ﷺ : ( ليس الواصل بالمكافئ،
ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) رواه البخاري .
وهذا حال الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان والبر،
وحتى إن لم يكونون مسلمين !!!
يشهد لذلك ما ورد في أن رسول الله ﷺ :
فعندما أهديت له حلل كان قد قال عن مثلها:
( إنما يلبس هذه من لا خلاق له ، فأهدى منها إلى عمر ،
فقال عمر كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت ؟
قال ﷺ : إني لم أعطكها لتلبسها ، ولكن تبيعها أو تكسوها ،
فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم )
رواه البخاري .
ثم إن أفضل الوصل مقابلة الإساءة والعدوان بالبر والإحسان،
ولما جاء رجل إلى رسول الله ﷺ وقال له :
إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ،
وأحلم عنهم ويجهلون عليّ !!!
قال له رسول الله ﷺ:
( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولا يزال معك
من الله ظهيراً عليهم ما دمت على ذلك ) رواه مسلم ،
والملُّ هو الرَّماد الحار،،،،
فكأنه شبه ما يلحقهم من الألم والإثم - والحالة هذه -
بما يلحق آكل الرماد الحار.
فهذا مما يبقي على الودّ، ويحفظ ما بين الأقارب من العهد ،
ويهون على الإنسان ما يلقاه من إساءة أقاربه،
ومقابلة معروفه بالنكران، وصلته بالهجران،
وفيه حث للمحسنين على أن يستمروا في إحسانهم،
فإن الله معهم ومؤيدهم ومثيبهم على عملهم.
من هم الأرحام الحقيقين ؟ ومن له حق الصلة ؟
اختلف العلماء في من الأرحام الذين تجب صلتهم ،
فقيل هم المحارم الذين تكون بينهم قرابة
بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى لم يحل له نكاح الآخر
وعلى هذا القول فالأرحام هم الوالدان ووالديهم وإن علو ...
والأولاد وأولادهم وإن نزلوا ،
والإخوة وأولادهم والأخوات وأولادهن ،
والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
ويخرج على هذا القول أولاد الأعمام وأولاد العمات
وأولاد الأخوال وأولاد الخالات فليسوا من الأرحام .
وقد استدل أصحاب هذا القول بأن الشارع حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها !!!
وقال ﷺ في إحدى روايات الحديث عند ابن حبان :
( إنكن إن فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن ).
ولو كانت بنت العم أو العمة أو بنت الخال أو الخالة
من الأرحام ما وافق الشرع على الجمع بين المرأة
وابنة عمتها أو ابنة خالتها أو ابنة خالتها .
[شرح النووي على مسلم ] ...
ونحن نقول وعلى الله التوكل وهو ما ذهب إليه
الكثير من أهل العلم وهو ما يعتبر الأحوط :
أن الأرحام عام في كل ما يشمله الرحم ،
فكل قريب لك هم من الأرحام الذين تجب صلتهم.
فأولاد العم وأولاد العمة وأولاد الخال وأولاد الخالة وأولادهم
كل هؤلاء يدخلون تحت مسمى الأرحام عموماً.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
تعليقات
إرسال تعليق