قصة وعبرة ...
القاضي العادل والامير الصالح :
يروي أنه في احد العصور السالفة وفي إحدى الإمارات العربية المتناثرة هنا وهناك
بعد ان ضعفت الخلافة الإسلامية المركزية
ذاع صيت قاضٍ عادل يقيم العدل بشكل نادر ولا يخاف في الله
لومة لائم يحكم بالحق لصاحبه مهما كان فيه الطرف المحقوق
من قوةٍ أو غنىً أو جاه أو ذو سلطان ومنعة !!!
فأراد أمير البلاد الصالح أن يتحقق بنفسه من صحة ما قيل له،
وما تردد في اسماعه عن وجود ذلك القاضي العادل فى إمارته،
ان احداً كائناً من كان لا يستطيع خداعه ...
فتنكر الأمير فى زى تاجر. وامتطى جواده وسار كمسافر غريب
وعند مدخل المدينة اقترب منه رجلٌ كسيح ( لا يستطيع المشي
على قدميه ) يلتمس صدقةً وبرً وإحسان ..
فأعطاه الأمير ما يسر الله له من المال وهم بالمغادرة ،
فاذا الكسيح يتشبث بردائه. التفت التاجر إلى الكسيح،
وسأله : ما الذى تريده بعد ؟ ألم أعطك صدقة ؟
فقال الرجل الكسيح : بلى ...
ولكن أعمل معي معروفاً وخذني معك إلى ساحة المدينة ،
فأجابه الى طلبه ، وأردفه خلفه،وسارا سوية الى المدينة
وفى الساحة رفض الكسيح النزول عن ظهر الجواد !!!
فنهره التاجر( الأمير) قائلاً : ما الذى يجلسك ؟
هيا انزل ، لقد وصلنا الى ساحة المدينة !!!
قال الرجل الكسيح : ولم النزول والجواد ملكي ؟؟؟!!!
دهش التاجر (الأمير ) لجرأة الرجل الكسيح !!!
وعندما اشتد بينهما النقاش ، تجمع الناس حولهما،
وعلموا القصة كما طرحها الطرفان فاقترحوا عليهما الذهاب
الى القاضي لينظر في مسألتهما ويفصل بينهما بالحق ....
مضى الاثنان إلى القاضي، وكان الناس متجمعين فى المحكمة،
والحاجب ينادي على المتخاصمين حسب الدور،
فاستدعى القاضي نجاراً وسماناً(ينتج السمن) ،
وكانا يتنازعان نقوداً بيد النجار.
قال النجار : اشتريت من هذا سمناً، وعندما أخرجت محفظتي
لأنقده (اعطيه المال نقداً) الثمن ، أختطف المحفظة من يدي
محاولاً انتزاع نقودي مني عنوة
وهكذا جئنا اليك سيدي القاضي، يده على يدي ومحفظتى ،
ولكن النقود نقودي.أما السمان فقال : هذا كذب يا سيدي !!!
لقد جاء النجار إلي ليشترى سمناً ، وبعد ان ملأت له إبريقاً كاملاً،
طلب منى أن أفك له قطعة ذهبية ، فأخرجت المحفظة ،
ووضعتها على الطاولة فأخذها وأراد الهرب،
فامسكت به من يده ، وجئت به إلى هنا...
صمت القاضي ، ثم قال : اتركا النقود هنا واحضرا غداً.
وعندما حان دور التاجر(الأمير) والرجل الكسيح،
قص التاجر ما حدث ، ثم أشار القاضي للكسيح أن يأتى بحجته.
قال الكسيح هذا كذب كله ، كنت ممتطيا جوادي فى ساحة المدينة،
أما هو فقد كان جالساً على الأرض فطلب مني أن أحمله،
فسمحت له بركوب الجواد ، ونقلته الى المكان الذى يرغب ،
ولكنه لم يرد النزول ، وادعى ملكيته للجواد !!!
فكر القاضي، ثم قال : اتركا الجواد عندي ، واحضرا غداً.
في اليوم التالي اجتمع المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضي،
فتقدم النجار والسمان أولاً لمعرفة الحكم ...
قال القاضي للنجار : النقود ملكك ، ثم أشار الى السمان
قائلاً : أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة .
ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ،
فوقفا بين يدي القاضي لسماع الحكم.
فسأل القاضي التاجر :
هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جوادا؟
قال التاجر : نعم
فسأل القاضى للكسيح : وأنت ؟
فقال الكسيح : نعم
ثم أخذهما القاضي الى الاسطبل ،،،
فأشار التاجر فى الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جواداً،
وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .عاد القاضي إلى مكانه،
وقال للتاجر : الجواد جوادك فخذه ،
أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضي إلى بيته .
فسار التاجر(الامير) خلفه .
فالتفت القاضي إليه وسأله: ما الذى تريده ؟
أم انك غير راض عن قراري ؟
أجاب التاجر: بلى ...
ولكني أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار
وليست للسمان ، وأن الجواد لي ، وليس للكسيح ؟
قال القاضى : أما أمر النجار والسمان ،
فقد وضعت النقود فى قدح ماء ، ثم نظرت اليوم صباحاً الى
القدح لأرى ما اذا كان السمن طافياً على سطح الماء،
فلو كانت النقود عائدة للسمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ،
ولـَ طفى السمن فى القدح !!!
وأما معرفة مالك الجواد فكانت أصعب ،
فالكسيح أشار مثلك فى الحال الى الجواد من بين عشرين جواداً،
ولكننى لم اقدكما إلى الإسطبل لأرى ما اذا كنتما ستتعرفان
على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف عليه الجواد ،
عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ، ومده إليك ،
وعندما اقترب الكسيح إليه رفع أذنيه وقائمته مستنكراً ،
وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد.
فقال التاجر آنذاك: أنا لست تاجر، بل أنا أمير البلاد
جئت إلى هنا لأعرف حقيقة مايقال عنك .
وها أنا أرى الان وبأم عيني أنك قاض حكيم ،
فاطلب منى ماشئت لأكافئك به.
قال القاضى: شكراً لك أيها الأمير،
فأنا لا أحتاج مكافأة على أداء عملى بصدق وإخلاص..
تعليقات
إرسال تعليق