القائمة الرئيسية

الصفحات





عز العبودية وذل العبودية للدنيا !!!
إنّ العبودية مقامٌ للنفس وحالة للباطن والقلب ،
 وهي تتجلّى في أعمال الإنسان وظاهره. 
والعبد هو الذي يلاحظ إرادة سيده ، فيتبعها دون حرجٍ في نفسه ، ويجعل إرادته تابعة لها مطلقاً. 
ولكي يتحقّق السالك بهذا المقام عليه أن يمارس هذه التبعيّة 
في باطنه وظاهره حتّى تصبح ملكةً راسخة لنفسه ، 
فيكون عبداً لله تعالى بالحقيقة. 
فإذا أراد سلوك طريق العبودية عليه أن يسقط من نواياه ودوافعه 
ومن غايات أعماله وعباداته كل ما عدا الله.
 فلا يصدر عنه عملٌ أو فعل أو تفكّر إلَّا لله وحده.

طريق العبودية يُسلك بتمرين النفس وترويضها بالعبادة والطاعة. فعلى أثر دوام الطاعة، يصبح الانقياد العملي ملكةً راسخة في النفس. ومن خلال المواظبة على الصالحات يصبح الباطن صالحاً،
 ومن خلال التصبّر والاصطِبَار نصل إلى خُلق الصبر.
 وهذا أحد أهداف تكرار العبادات في الإسلام.
 إنّ مفهوم العبودية وجميع لوازمها من التسليم والانقياد والطاعة وترك الأنا والفناء والذوبان والانتظار... .
 فإنّ الخضوع والالتزام وترك الاعتراض مطلقاً من معاني العبودية. والعبد الحقيقي هو الذي لا يملك شيئاً أمام سيده ومولاه،
 لأنّ سيده هو الذي يملكه ويملك جميع شؤونه. 
ولا يعترض عليه فيما يفعله به، ويلتزم بكل ما يأمره.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  قال:
( إن الله تعالى يقول : يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك 
غنىً وأسدُّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسد فقرك )
رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده وغيرهم، 
وحسنه الترمذي وصححه الألباني .
( تفرغ لعبادتي: تفرغ من مهماتك وأشغالك الدنيوية لطاعتي

 والتقرب إلي بأنواع القرب . أملأ صدرك: أي قلبك ... )

كيف تكون العبودية عزاً ؟؟؟

عبادة الله هي المهمة العظيمة التي من أجلها خُلق الخلق، 

وهي بمفهومها الشامل لا تقتصر على أداء الشعائر التعبدية
 - من صلاة وصيام وحج وذكر وغير ذلك - فحسب،
 ولكنها تمتد لتنتظم حياة الإنسان كلها بشتى جوانبها وأنشطتها بحيث لا يخرج شيءٌ منها عن دائرة التعبد لله رب العالمين،
 وتمتد كذلك لتشمل جميع ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال 
والأعمال الظاهرة والباطنة: قال تعالى :
 ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
 ( الأنعام: 162 )....
ولا يبلغ الإنسان ذروة الكمال البشري في العزّة والشرف والحرية حتى يحقق هذه الغاية ، وقد وصل إلى هذا الكمال أنبياء الله 

ورسله عليهم الصلاة والسلام، 
وفي مقدمتهم نبيّنا محمَّدٌ  الذي خاطبه ربُّه جلّ وعلا في أعلى مقاماته مقامِ تلقي الوحي ومقامِ الإسراء 
- بوصف العبودية، باعتبارها أرقى وأعظم وأشرف منزلة 
يرقى إليها الإنسان، فقال الله سبحانه وتعالى :
( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا )(الكهف: 1) ... 
وقال الله سبحانه وتعالى في مقام آخر:
 ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً )...(الإسراء: 1)...
 وكلما ازداد العبد تحقيقاً لهذه العبودية كلما ازداد كماله 
وعلت درجته.
وكل من تعلّق قلبه بمخلوق وأحبَّه ، وعلق عليه نفعه وضرَّه
 فقد وقع في ربقة الرقّ والعبودية له ، شاء أم أبى ،
إذ الرقّ والعبودية في الحقيقة هو رقُّ القلب وعبوديته ، 
ولهذا يُقال : العبد حرٌّ ما قنع ، والحرُّ عبدٌ ما طمع ، 
وكلّما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه في قضاء حاجاته، كلما قويت عبوديته وحريته عمَّا سواه، 
كما قيل: احتج إلى من شئت تكن أسيره، 
واستغن عمن شئت تكن نظيره، 
وأحسن إلى من شئت تكن أميره .


فما هي حقيقة الغنى؟؟؟

ولهذا فإن حقيقة الغنى إنما هي في القلب ، 

وهي القناعة التي يقذفها الله في قلوب من شاء من عباده ، 
فيرضون معها بما قسم الله ، ولا يتطلعون إلى مطامع الدنيا 
أو يلهثون وراءها لهث الحريص عليها المستكثر منها ،
وقد بين ذلك الرسول  بقوله : 
( ليس الغنى عن كثرة العرَض، ولكن الغنى غنى النفس) 
كما في البخاري ، وقال ﷺ لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه :
( أترى أن كثرة المال هو الغنى ؟! إنما الغنى غنى القلب ،
والفقر فقر القلب ، من كان الغنى في قلبه فلا يضره
 ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه
 ما أكثر له في الدنيا، وإنما يضر نفسه شحها )
 رواه ابن حبان وصححه الألباني .
وكم من غني عنده ما يكفيه وأهله عشرات السنين ، 
ومع ذلك لا يزال حريصاً على الدنيا ، يخاطر بدينه وصحته ،
 ويضحي بوقته وجهده، وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس ،
 مع أنه قد لا يجد قوت غده ،
 فالقضية إذاً متعلقة بالقلوب وليست بما في الأيدي.
يقول عمر رضي الله عنه : إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى ،

 وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه ،،،
 وسئل أبو حازم فقيل له : ما مالُك ؟ 
قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله ،
 واليأس مما في أيدي الناس ،،،
 وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى ؟ 
قال: قلة تمَنِّيك ، ورضاك بما يكفيك ، 
وقد أحسن من قال:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ...
مخافة فقر فالذي فعل الفقر ...

بين همَّيْن !!! 

وهذا الحديث العظيم يضع للعبد علاجاً عظيماً للهموم 
والغموم التي يتعرض لها في حياته الدنيا ،
 هذا العلاج هو الاشتغال بما خلق له وهو عبادة الله عز وجل ، والاهتمام بأمر الآخرة، فإن العبد إذا شغله همُّ الآخرة أزاح الله
عن قلبه هموم الدنيا وغمومها، وخفف عنه أكدارها وأنكادها ، فيصفو القلب ويتجرد من كل الأشغال والصوارف،
 يقول رسول الله ﷺ : (من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد 
كفاه الله سائر همومه ، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا
 لم يبال الله في أي أوديتها هلك ) 
رواه ابن ماجة وغيره بسند حسن.
وعند الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله :
( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره
 بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) صححه الألباني .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: 
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمَل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه ...
فعلى العبد أن يقنع بما قسم الله له ، وأن يثق بوعد الله 

وحسن تدبيره له ، وألا يكون شديد الاضطراب والخوف 
مما يستقبل ، فالمستقبل بيد الله، وأن ينظر إلى من هو دونه
 في أمور الدنيا، وليستعن على ذلك بقصر الأمل واليقين بأن 
الرزق الذي قُدِّر له لا بد وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه ،
 فليست شدة الحرص هي السبب لوصول الأرزاق.

تعليقات

التنقل السريع