القائمة الرئيسية

الصفحات

الصدقة وسر التجارة التي لا تخسر أبدا


فضل الصدقة...

الإنفاق والقرض الحسن:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى... في معنى
قول الله تعالى:
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً
 وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(البقرة:245)
صَدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب،
 وهو الاستفهام المتضمن معنى الطلب، 
وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر. 
والمعنى :هل أحد يبذل هذا القرض الحسن ، 
فيجازى عليه أضعافا مضاعفة ؟ 

وقال الله تعالى آمراً نبيه : 
( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ) 
ويقول جل وعلا: ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... ).
وقال سبحانه وتعالى:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
( قال الله: أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك ) رواه البخاري ومسلم .
هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تحث على الصدقة 

والبذل والإنفاق في سبيل الله، 
ويؤكد أنها من أعظم أسباب البركة في الرزق ومضاعفته، 
وإخلاف الله على العبد ما أنفقه في سبيله.


فضل الإنفاق والصدقة ...
جاءت الكثير من آيات القرآن الكريم وأكثر من الأحاديث النبوية

والتي تبين فضائل الصدقة والإنفاق في سبيل الله، 
كما وتحث المسلم على البذل والعطاء ابتغاء الأجر من الله سبحانه، فقد جعل الله الإنفاق على السائل والمحروم 
من أخص صفات عباد الله المحسنين، فقال تعالى عنهم :
( إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم )(الذاريات: 16-19) 
ويجزي الله المنفقين جزاء ما أنفقوا أضعافاً كثيرة
في الدنيا والآخرة فقال سبحانه وتعالى :
 ( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ) 
( سورة البقرة: 245 ).
فالصدقة من أبواب الخير العظيمة، ومن أنواع الجهاد المتعددة،
بل إن الجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس في جميع الآيات 
التي ورد فيها ذكر الجهاد إلا في موضعِ واحد، يقول 
(جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود .
وأحب الأعمال إلى الله كما جاء في حديثه ﷺ :
( سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كرباً ، 
أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ) ،
 رواه البيهقي ، وحسنه الألباني .
والصدقة ترفع صاحبها حتى توصله أعلى المنازل،
 قال ﷺ : ( إنما الدنيا لأربعة نفر: 
عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه،
 ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل...) رواه الترمذي .
كما أنها تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا، 
وتنجيه من الكروب والشدائد، 
وفي ذلك يقول ﷺ :( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) رواه الحاكم وصححه الألباني ، 
أضف إلى ذلك إطفاؤها للخطايا وتكفيرها للسيئات،
 ومضاعفتها عند الله إلى أضعاف كثيرة،
 ووقايتها من عذاب الله كما جاء عنه ﷺ :
( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه البخاري 
وغير ذلك من الفضائل...
فهو يخلفه ...
ومن فضائل الصدقة مباركتها للمال،

 وإخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب، 
وقد وعد سبحانه في كتابه بالإخلاف على من أنفق
 - والله لا يخلف الميعاد - قال تعالى: 
( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )(سبأ: 39)، 
أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم،
 فإنه يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل، وفي الآخرة بحسن الجزاء والثواب، فأكد هذا الوعد بثلاث مؤكدات تدل على مزيد العناية بتحقيقه، ثم أتبع ذلك بقوله تعالى :
( وهو خير الرازقين ) لبيان أن ما يُخْلِفه على العبد أفضل 
مما ينفقه. ومما يدل أيضاً على أن الصدقة بوابة للرزق 
ومن أسباب سعته واستمراره وزيادته، 
قوله تعالى: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) (إبراهيم: 7)،
 والصدقة غايةٌ في الشكر، كما ثبت في السنة الصحيحة
 وبما يؤكد هذا الذي دلت عليه آيات الكتاب، ومنها : قوله ﷺ :
 (.. وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة.) رواه أحمد ، وقوله ﷺ : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً،
 ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا) أخرجه الشيخان .
وكذلك جاءت نصوص صريحة وعديدة تردُّ على من ظن
 أن الصدقة منقصة للمال، جالبة للفقر، وتبين أن الشح والبخل 
هو سبب حرمان البركة وتضييق الرزق،
 يقول رسول الله ﷺ:( ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة....) رواه الترمذي .
وعادَ رسول الله  بلالاً ذات مرة في مرض أصابه، 
فأخرج له بلال كومة من تمر، فقال: ما هذا يا بلال ؟
 قال : ادخرته لك يا رسول الله،
 قال : ( أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنم،
 أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) 
رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن.
إضافة إلى أن الواقع والتجربة المشاهدة والمحسوسة،
 تثبت أن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة، 
وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته، فمن أَكثر أُكثر له،
 ومن أقل أُقِل له، ومن أمسك أُمسِك عليه، وهو أمر مجرب محسوس، والقضية ترتبط بإيمان العبد ويقينه بما عند الله، 
قال الحسن البصري رحمه الله: من أيقن بالخُلْف جاد بالعطية.


بين الإسراف والتقتيرولأن هذا المال هو في الحقيقة مال الله، استخلف عباده فيه 
لينظر كيف يعملون، فليس للإنسان الحق المطلق في أن 
يتصرف فيه كيف يشاء، بل إن تصرفاته ينبغي أن تكون مضبوطة بضوابط الشريعة، محكومة بأوامرها ونواهيها، فيُبْذَل حيث يُطْلب البذل، ويُمْسك حيث يجب الإمساك،
 والإمساك حيث يجب البذل بُخْلٌ وتقتير،
 والبذل حيث يجب الإمساك إسراف وتبذير،
 وكلاهما مذموم، وبينهما وسط محمود وهو الكرم والجود،
 وهو الذي أمر الله به نبيه ﷺ بقوله: ( ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً ) (الإسراء: 29)، وامتدح به عباده المؤمنين بقوله تعالى : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) (الفرقان: 67)،
قال ابن عباس : في غير إسراف ولا تقتير ،
 وسُئل ابن مسعود عن التبذير فقال: إنفاق المال في غير حقه .
فالجود في ميزان الشرع - كما قال ابن حجر -:
 إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة ،
وهو وسط بين الإسراف والإقتار، وبين البسط والقبض،
 وله مجالاته المشروعة ؛ 
ولذا فإن بذل المال في غير موضعه قد لا يكون كرماً،

تعليقات

التنقل السريع