القائمة الرئيسية

الصفحات








فن السرور للشيخ عائض القرني ...




من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ،
 فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، 
وقالوا: إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، 
ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش ،
 والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. 

والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ،

فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه.
وبحسب قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.

إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، 

رواحل للهموم والغموم والأحزان ، 
فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه
المزعجات ، وخفت عليه الأزمات.


إذا اعتاد الفتى خوض المنايا *** فأهون ما تمر به الوحول


ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ،

 والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ، 
والله قد وصف أعداءه بأنهم:
 ( أهمتهم أنفسهم ، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في
داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ،
 ولا يهتمون للآخرين. إن على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا ،
ونبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ،
 فنكسب أمرين : 
1-إسعاد أنفسنا ، 2-وإسعاد الآخرين.

من الأصول في فن السرور :

 أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ،
 فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ،
وأعاد عليك ملف الأحزان
 وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك.
 إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح
والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك ،
فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ، 

{وتوكل على الحى الذي لا يموت } .


ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : 



أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، 
ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ،
 لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ،
 فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن على ما فات منها. 
صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ، 
مولودها مفقود ، وسيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، 
وعاشقها مقتول بسيف غدرها.

أبني أبينا نحن أهل منازل *** أبدا غراب البين فيها ينعق

نبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألى *** كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه *** حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا *** أن الكلام لهم حلال مطلق

وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) 


وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، 

واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون طبعاً.

إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.

حكم المنية في البرية جاري *** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبرا *** ألفيتة خبرا من الأخبار
طبعت على كدر، وأنت تريدها *** صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هاو
والعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال ساري
فاقضوا مآربكم عجالا إنما *** أعماركم سفر من الأسفار
وترآضوا خيل الشباب وبادروا *** أن تسترد فإنهن عوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما *** طبع الزمان عداوة الأحرار

والحقيقة التي لاريب فيها ....

 أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن ،
 لأن الحياة خلقت هكذا
 { لقد خلقنا الإنسان في كبد }

تعليقات

التنقل السريع