القائمة الرئيسية

الصفحات


حسرة وندامة ...



قصة وعبرة ...
كان صاحبي رجلاً صالحاً ..
 ربما قرأ الرقية الشرعية أحياناً على بعض المرضى ..
قال لي مرةً : رن جرس هاتفي يوماً ..
 فإذا ابن أحد كبار التجار .. يقول : يا شيخ والدي مريض ..
 ونرغب في مجيئك لزيارته وقراءة الرقية الشرعية عليه ..
ذهبت إلى هناك .. فإذا قصر منيف .. تتفجر النعمة من جدرانه ..
قابلني أولاده رحبوا بي .. الترف ظاهر في وجوههم ..
 سألتهم عن مرض أبيهم ..
فقال لي أحدهم : أبي كانا مصاباً بتليف في الكبد ..
-وهو مرض يصيب مدمني الخمر ؟؟؟-
واكتشفنا قبل أيام أنه بدأ معه سرطان في الدم ..
 وقد حدثنا الطبيب أن التقارير الطبية تشيرإلى أنه
 لم يبق له في الدنيا إلا أيام معدودات .. والعلم عند الله تعالى ..
 مضيت أمشي معهم إلى أبيهم .. فلما كدنا أن ندلف إليه ..
 جذبني أحدهم وقال : يا شيخ .. عفواً ..
نسينا أن نخبرك أن أبونا لا يعلم بحقيقة مرضه ..
 فإنه لما سألنا عن نتيجة التحاليل ..
 خشينا أن يشد حزنه .. أو يزداد مرضه ..
 فقلنا له أنه مصاب بالتهابات في البطن وعن قريب ستزول ..
 توكلت على الله وأدخلوني على أبيهم ..
فإذا هو في غرفة فارهة جداً ...
 فيها سرير عليه رجل قد جاوز الخمسين بقليل ..
تبدو عليه آثار النعمة  ومريض لكن جسمه لا يزال متماسكاً ..
 صافحته برفق ثم جلست عند رأسه و جلس أولاده حوله ..
 فالتفت إليهم وأمرهم بالخروج ..
خرجوا وأغلقوا باب الغرفة وبقيت أنا وهو ..
 فخفض رأسه وظل ساكتاً قليلاً .. ثم استعبر وبكى ..
 التفت إلي ودموعه تجري على خديه...
 وقال : آآآآآه يا شيخ قلت : ما بالك ؟!
قال : هذه الدنيا التي أجمعها منذ ثلاثين سنة ..
 حتى تشاغلت عن صلاتي وقراءة القرآن ومجالس الذكر ..
 وكلما نصحني أحد وقال : يا فلان .. التفت لأخرتك ..
 صلاة الجماعة  صيام النوافل  ترك المعاصي و الآثام  ...
تربية أولادك على الشرع . قراءة  القرآن ..
 قلت له : أنا سأجمع المال حتى يصل عمري الستين ..
 فإذا بلغت الستين أعطيت لنفسي تقاعداً من الأعمال ..
 وأوكلتها لغيري واشتغلت بقية عمري في انفاق ما جمعت والعبادة ..
 والآن كما ترى هجم عليّ ما ترى من المرض
 الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ثم اشتد بكاؤه ..
 فقلت : أبشر بالخير .. ستشفى بإذن الله .. وتتعبد كما تريد .
 وحتى لو قضى الله عليك موتاً .. فكلنا سنموت ..
 ومالك سينفعك بعد موتك .. وأولادك لنّ ينسوك ..
 سيبنون لك المساجد ويكفلون الأيتام ويتصدقون عنك ويدعون لك وو ...
 فصرخ امامي وقال .. خلاص .. يكفي ..
وأخذ يبكي كالصغير ويردد أولادك يتصدقون عنك !! يبنون مسجداً ..!! ..
 أنت ما تعرف هؤلاء الأنذال.. !!!  قلت : لم ..
 قال : أولادي هؤلاء الذين يظهرون المحبة لي والشفقة علي ..
 كانوا البارحة مجتمعين عندي فطال جلوسهم وأردتهم أن يخرجوا ..
فأظهرت لهم أني نائم .. وأغمضت عيني وبدأت بالشخير ..
 فظنوا أنني نائم فعلاً .. فلم تمض دقائق ..
حتى بدؤوا يتكلمون عن أموالي وكم سينال كل منهم ميراث !! ..
وكلهم جهّال في قسمة المواريث .. فاختلفوا .. واشتد نقاشهم ..
 حتى اختصموا على عمارة لي في موقع متميز ..
 كل منهم يريدها من نصيبه ..
 ثم بكى الرجل حتى رحمته ..
ولما هدأ قرأت عليه الرقية الشرعية . 
وتمنيت له الشفاء ودعوت له بالرحمة والغفران .
ثم خرجت من عنده وأنا أردد قوله تعالى :
 " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه " ..
 فعلاً .. أحب الناس إليه بعد موته سيجتمعون في داره
 ليقتسموا أمواله لا ليقتسموا أعماله ..
 يموت الإنسان ويتبعه ثلاثة .. أهله وماله وعمله .
 ويرجع الأهل والمال ليتمتع بها غيره  وهو الذي جمعها ..
ويبقى عمله  نعم يبقى عمله  فما العمل الذي سيبقى معه ..؟
ويدخل معه قبره.؟
 ...قيام ليل ! صدقات ! بناء مساجد !
أم تساهل بالدين . ومتابعة قنوات . ومجالسة فجار ..؟؟؟
 ولا يظلم ربك أحدا ..

 " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها
 ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ..

تعليقات

التنقل السريع