عاقبة الأمانة ...
قصة وعبرة ...
كان صاحبنا خالد غالباً سارح في أحلامه ويقلب صفحات عمره ودهره
آملاً من الله ان يقضي على همه بأهون الأسباب وبأسرع ما يخطر على البال
ولكن كل مرة يعود لواقعه صفراً خالي الوفاض،
فلا شيء يقضي بالأحلام ولا عطش يروى بسراب !!!
لقد ابتلي خالد بنيات ثلاث و أمهن ولا رزق لديه ولا مال فقد كان فقيراً
معوز الحال ولم يوفق لعمل يحسن حاله ولا تجارة تنقذه من دينه ،
فبات يعيش على حسنات الكرام وصدقات الأغنياء وهبات الأقرباء،
والتي بالكاد تسد رمق جوعه وجوع بناته وأمهن وتستر عورته وحرماته .
كان خالد يسكن بيتاً طينياً قديماً في أزقة وحارات مكة الفقيرة المتطرفة ،
وكان يزلف كل مرة الى الحرم يعتمر ويطوف ويصلى ويدعو
ويبتهل عسى الله يجعل له في دنياه سبيلا...
وذات مرة وهو يطوف بالبيت على الرمل الحار والبال محتار والفكر شارد
وكأنه في خيال وإذ بشيء يلمع ويشع بين الرمال فاقترب خالد ومد يده
وسحب هذا الشيء وإذ به بنطاق (زنار) جلدي مما يحمله الحاج والمعتمر
ولكنه كان ثقيلاً فخبئه وجرى فيه إلى المنزل ليعرف ماذا يحتوي،
ولما وصل البيت وفتح النطاق (الزنار) كانت المفاجأة الكبرى
فقد كان في النطاق ألف ديناراً ذهبية ...
فطار عقل الزوجة وبناتها وسرحت بأحلامها سنشتري طعاماً وشراباً
سنلبس ملابس جديدة سنغير بيتنا سنزوج بناتنا وسنقضي ديننا الله أكبر
وأخذتها الفرحة وبناتها بعيداً ...
ولكن خالد قال بحزم لا يا امرأة المال ليس مالنا وسنبحث عن اصحابه
ونعيده لهم .المرأة المصدومة ونبقى جياع؟ عراة؟ عطشى؟
اتقى الله فينا أيها الرجل ؟؟؟ خالد لا سنؤول المال لأصحابه ...
احفظي المال بمكان آمن حتى نؤوله لأهله أو يجعل الله له سبيلا...
وفي اليوم الثاني ذهب صديقنا خالد للحرم وأخذ يتجول كعادته
وإذ بجمهرة و صياح فذهب لمكان الصوت وإذ به رجل غريب ينشد ضالته
وإذ به يسأل عن نطاق جلدي وبه مال ضائع ولمن وجده الأجر والثواب من الله
فعلم خالد أنه صاحب النطاق و المال فاقترب منه وقال :
يا أخي اجعل جائزة العشر لمن وجده عسى الله يعيد لك نطاقك ومالك ؟؟؟
وفي بال خالد 100 دينار حلال !!!
فقال الرجل : ولا درهماً واحداً ..!!!
فعاد خالد للبيت مهموماً وحكى لزوجته ما حصل فحزنت كثيراً وقالت له:
اعد المال لصاحبه ونحن لن ينسانا الله من فضله ،
وفي الغد ذهب خالد للحرم وإذ بذات الرجل ينادي ويصيح وينشد ضالته ...
فاقترب خالد منه كما في الأمس وقال له :
اجعل جائزة لمن وجده عشر العشر لمن وجده عسى الله يعيد لك نطاقك ومالك ؟؟؟
وفي بال خالد 10 دينار حلال !!!!
فقال الرجل : ولا درهماً واحداً ..!!!!
فعاد خالد للبيت مهموماً مرة اخرى وحكى لزوجته ما حصل فحزنت كثيراً
وقالت له : اعد المال لصاحبه ونحن لن ينسانا الله من فضله ،
وفي اليوم الثالث ذهب خالد للحرم وإذ بذات الرجل ينادي ويصيح وينشد ضالته ...
فاقترب خالد منه كما في الأمس وقال له :
اجعل جائزة لمن وجده عشرعشرالعشر لمن وجده عسى الله يعيد لك نطاقك ومالك ؟
وفي بال خالد دينارواحد حلال !!!! فقال الرجل : ولا درهماً واحداً ..!!!!
وهنا قال خالد للرجل تعال معي فضالتك عندي ،
وذهبا سوية للبيت الخرب واهله الجياع والبنات وامهن
لا يكدن يجدن ما يسترن به انفسهن ،
دخل الرجل البيت وسلم على اهله ورأى حالهم...
فأعطاه خالد النطاق فقال الرجل هو ذا جزاك الله خيراً
عدّ الرجل النقود ديناراً ديناراً فكانت ألفاً وعيون خالد وزوجته وبناته تكاد تدمع ،
حمل الرجل نطاقه وخرج بدون ان يترك لهم شيئاً سوى الدعاء و الشكر !!!!
وجلس خالد وزوجته و بناته يبكون ويتحسرون على فرحة لم تتم
وعادوا للجوع والعطش و العوز بعد ان راودتهم الأحلام الكبيرة
بوجود الألف دينار ولكن قدر الله وما شاء فعل...
والحمد لله الذي أول الحلال إلى اصحابه ...
وبعد ساعات من التفكر والتحسر والحزن على ما جرى ،،،
وإذ بالطارق على الباب ..خالد ..خالد .. خالد ...
خرج خالد لينظر من بالباب وهنا كانت المفاجأة ,,,
فقد عاد صاحب النطاق ومعه النطاق !!!
السلام عليكم يا خالد ..
وعليكم السلام .. خيراً تفضل ..
دخل الرجل البيت وبدون مقدمات قال هذا النطاق وما فيه لكم حلال زلال ..
وهنا اصابت الدهشة خالد وأهل بيته وكادوا يبكون من الفرح ..
فصاح خالد خيراً يا رجل مالخطب ما أصابك ؟؟؟
وهنا حكى الرجل قصته فقال لهم :
ان هذا المال أمانة لدي وليس لي فيه قرشاً واحداً ،
ولكننا حملته أمانة من شيخ التجار ببلاد ما وراء النهر
وأوصاني ان أدفعه لأفقر بيت بمكة ولما ضاع مني وتعلمون القصة
وأولتوها لي كنت ابحث عن افقر بيت بمكة
فلم أجد والله أفقر وأحوج وأحق بالمال منكم وهو لكم..
وهنا قال له خالد انك رجل امين وانا لن اقبل المال الا أن اكافئك ؟؟؟
قال الرجل وما ذاك ؟؟؟
قال خالد اجلس معنا انا وأنت وزوجتي وبناتي الثلاث اصبحنا خمسة،
فلك الخمس ولنا اربع اخماس!!!
فقام الرجل والله لا أخذ درهماً ...
وهي الأمانة وصلت لأصحابها فلا تجعلني من الخائنين .
فرضي خالد عذر الرجل وقبل رزق الله له فحمد الله وشكره
واكرم الرجل وشيعه لحين سفره
وطوى صفحة الفقر من حياته ....