القائمة الرئيسية

الصفحات


حفظ الأسرار من صفات الأبرار...


قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا}
[الإسراء: 34].

ذكر الآية في حفظ السر لأنه مما يعتاد التعاهد 
على كتمانه إما لفظًا أو بقرينة الحال.

 قَالَ الله تَعَالَى:( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً

فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض

 فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا ،

قال نبأني العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما

 وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين

 والملائكة بعد ذلك ظهير ) سورة التحريم 

 والمتظاهرتان عليه في الآية هما ،

 زوجتا الرسول عائشة وحفصة

 أسر إلى إحداهما أنه حرم على نفسه العسل ،

وقيل : إنه حرم على نفسه جاريته مارية ،

فأفشت سره إلى الأخرى . فأنزل الله تعالى الآيتين ،

وجعل إفشاءهما لسر رسوله ،

جرماً ينبغي المسارعة إلى التوبة منه .

 وهكذا أدبهما الله تعالى بهذا الأدب الجم فأحسن تأديبهما.


قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

 سِرُّك أسيرك، فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره.

 قال رسول الله : 

"استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان،

 فإن كل ذي نعمة محسود".

"صحيح". عن معاذ بن جبل "الخرائطي في اعتلال القلوب" 
عن عمر عن ابن عباس "الخلعي في فوائده" عن علي. 
صحيح الجامع الصغير وزياداته – الجزء الأول
وقال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 

بابُ حفظ السِّر في السنة المباركة :

** وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

قَالَ رسول الله ﷺ :

( إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ،

الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ،

 ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا). رواه مسلم. 

الإفضاء: مباشرة البشرة، وهو كناية عن الجماع.
 وفي الحديث وعيدٌ شديدٌ على من ذكر تفاصيل 
ما يقع بيينه وبين امرأته حال الجماع.

** وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما:

 أنَّ عمرَ رضي الله عنه حِيْنَ تأيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ،

 قَالَ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رضي الله عنه،

 فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ،

 فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ؟

قَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي،

فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أنْ لا أتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا.

فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه ،

 فقلتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ،

 فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا !

 فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ،

 فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النبيﷺ فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ.

 فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ ،

حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا ؟

 فقلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إِلَيْك

 فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلا أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ

 أنَّ النبيَّ ذَكَرَهَا،

فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول اللهﷺ،

 وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ  لَقَبِلْتُهَا. رواه البخاري. 

قوله: ((تَأَيَّمَتْ)) أيْ: صَارَتْ بِلا زَوْجٍ،
وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ رضي الله عنه. ((وَجَدْتَ)): غَضِبْتَ.
في هذا الحديث: عرض الإنسان موليته على أهل الخير.
وفيه: كتم السر والمبالغة في إخفائه.

** وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
 كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّﷺ عِنْدَهُ ،
 فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي،
 مَا تُخْطِئُ مِشيتُها مِنْ مشْيَةِ رسول اللهﷺ شَيْئًا،
 فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا، وقال: ((مَرْحَبًا بابْنَتِي)) ،
 ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ،
ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديدًا، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا،
 سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ،
فقلتُ لَهَا: خَصَّكِ رسولُ الله  مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بالسِّرَارِ،
 ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ! فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله  سَألْتُهَا:
مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله ؟
قالت: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رسول الله  سِرَّهُ ،
 فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسول الله ﷺ ،
 قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ،
 لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رسول الله ؟
فقالتْ: أمَّا الآن فَنَعَمْ، أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى
 فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ
 في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ،
 وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي،
فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ،
 فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ،
فَقَالَ: ( يَا فَاطِمَةُ،
 أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ،
 أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ؟)
 فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ.
 متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم. 
في الحديث: تقديم المؤانسة قبل الإخبار بالأمر.
وفيه: أن جزاء الصبر على قدر عظم المصيبة.
وفيه: لطف المولى سبحانه من تعقيب الكسر بالجبر،
 والحزن بالفرح، والعسر باليسر. وفيه: حفظ السر.

** وعن ثَابِتٍ عن أنس رضي الله عنه قال:
أتَى عَلَيَّ رسول اللهﷺ وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ،
 فَسَلمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني فِي حاجَةٍ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي.
فَلَمَّا جِئْتُ، قالت: مَا حَبَسَكَ؟
 فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله لِحَاجَةٍ، قالت: مَا حَاجَتُهُ؟
 قُلْتُ: إنَّهاَ سرٌّ. قالت: لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله أحَدًا،
 قَالَ أنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَدًا لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ.
 رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصرًا. 

ولفظ البخاري عن أنس رضي الله عنه :
 
(أسر لي النبي  سرًا  فما أخبرت به أحدًا بعده ،

 ولقد سألتني أمي أم سليم فما أخبرتها به ).

**عن جابر رضي الله عنه قال :

 عن النبي  قال: 

"إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".

رواه أبو داود في سننه ،  والترمذي في جامعه ...

وفي الأحاديث التي سبقت :
 حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
وفيها: أن حفظ السر يختلف باختلاف الأحوال،
 فتارةً يجوز إفشاؤه بعد الموت 
كما في حديث عائشة وفاطمة،
 وتارة لا يفشي.

وقديمًا قالوا: إن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال،

 وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛

 لأن أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال،

 وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، 

وصدق الشاعر ...

أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، 

وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.
 

تعليقات

التنقل السريع