إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ...
يقول الله تعالى في محكم تنزيله :
[ واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك ،
إن أنكر الأصوات لصوت
الحمير ]
... لقمان(19)...
الآية تتحدث عن نوع رفيع من الطب الوقائي،
الآية تتحدث عن نوع رفيع من الطب الوقائي،
فهي تحث على خفض الصوت ومنع الضوضاء،
ويضرب الله لذلك مثلا بصوت الحمير،
وهو مثال يضع الضوضاء في مقامها اللائق بها ؛
ولو أن البشرية التفتت إلى هذه الآية العظيمة
وراعت هذا الأمر الرباني في أمور
حياتها
لما أصبحت الضوضاء إحدى السمات الأساسية العالم،
حتى كادت
أعصاب البشر أن يصيبها التلف والدمار
من جراء هذا الصراخ والصخب المتواصل،
معلومة علمية ...
من المعلوم
أن هناك حدوداً لتحمل الإنسان للضوضاء،
فلو ارتفعت عن 55 ديسي بل ـ وهو وحدة قياس
الصوت ـ
لحدث توتر للأعصاب وضيق وتقلص في الشرايين،
ولو بلغت 80 ديسي بل لتسببت في
أمراض خطيرة
بالقلب ولأثرت على السمع ،
ولو بلغت 110 ديسي بل لأحدثت تلفاً كبيراً
في
الجهاز العصبي للإنسان،
ولو وصلت إلى أضعاف هذا لتوفي الإنسان من فوره
وذلك
لتدميرها لخلايا الجهاز العصبي ،
إعجاز قرآني ...
ولهذا فقد كان عذاب الله لقوم ثمود عندما كذبوا نبيهم
صالح ﷺ
أن أرسل عليهم الصيحة فدمرتهم جميعا، إلا نبي الله
والذين آمنوا معه،
وفي هذا يقول تعالى:
[ فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا
معه برحمة منا
ومن خزي يومئذ ، إن ربك هو القوي العزيز،
وأخذ الذين ظلموا الصيحة
فأصبحوا في ديارهم جاثمين)
... هود:66 ...
الإسلام والعلم والطب ورفع الصوت ...
وقد أثبت العلم الحديث أن الضوضاء بشكل عام،
تسبب إجهاداً ذهنياً وعدم التركيز وعدم القدرة على الاستيعاب
والتعلم وتؤثر على درجة الأداء
الذهني،
كما أن الضوضاء الشديدة ترفع من ضغط الدم
وتؤثر على الأوعية الدموية
الصغيرة في القلب،
وتؤدي إلى انقباضها مما يؤدي إلى الشعور بالصداع الشديد.
وقد
كان رسول الله ﷺ يكره من يرفع صوته
في الحديث أو النداء، سواء
كان ذلك في البيوت أو المجالس،
وقد كان أحد الصحابة جهوري الصوت لما في أذنيه من
ضعف،
وكان يكلم الرسول ﷺ رافعاً صوته بشدة
فيتأذى ﷺ من صوته، وكان
بعض الصحابة يرفعون أصواتهم
لينادوا على الرسول ﷺ، فأنزل الله
تعالى :
[ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي
ولا تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض
أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون،
إن الذين يغضون أصواتهم
عند رسول الله
أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى،
لهم مغفرة وأجر عظيم،
إن
الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون]
(الحجرات 2 ـ 4).
وهكذا أنزلت
آيات القرآن كسيفٍٍ قاطع
يقضي على سلوك جاهلي ويحذر من الاستمرار فيه،
ليقام المجتمع
الإسلامي الجديد على أسس جديدة من الحضارة
والمدنية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا،
وقد دعا الإسلام إلى الصمت والهدوء والتفكر العميق في خلق الله،
وفي هذا روى
الترمذي أن رسول الله ﷺ قال:
" عليك بحسن الخلق وطول الصمت
فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما "
وقال ﷺ فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة :
" من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "
وأوصى ﷺ أبا
ذر فيما رواه أحمد والطبراني:
" عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك
على أمر دينك"
وعن ثوبان رضي الله عنه قال :
قال رسول الله ﷺ :
"
طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته"
... رواه الطبراني ...
وقد
شاءت حكمة الخالق سبحانه وتعالى
أن يجعل الصمت يوماً عبادة للصالحين
حين يتخلله
التفكير في بديع صنعه في السماوات والأرض،
فتغمر السعادة والسكينة روح الإنسان
وكيانه،
قال تعالى لسيدتنا مريم ام عيسى ﷺ:
[ فكلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من البشر أحداً
فقولي إني
نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ]
... (مريم 26) ...
قصة و عبرة من مسار الايام والحياة :
... (مريم 26) ...
قصة و عبرة من مسار الايام والحياة :
يقول الشاب أحمد : زوجني والدي من ابنة صديقه،
تلك الفتاة الهادئة الوديعة التي
طالما تمنيت أن أرتبط بها،
رغم أني لم أرها إلا مرات قليلة عند زياراتهم لنا في
بيتنا الكبير،
كانت صغيرة السن يوم خطبتها، ولمست فيها حياءاً جميلاً
وأدباً رفيعاً لم
أره في فتاة من قبل،
وبعد عدة شهور تم الزواج ..
عشت معها عدة أيام في نعيمٍ مقيمٍ ،،،
وبعد اسبوع تقريباً وبعد أن انتهى
الطعام الذي كان مخزناً لدينا،
فاجأتني بصوتها الهادئ أنها لا تعرف أي شيء عن الطبخ،
فابتسمت وقلت لها: أعلمك، فاختفت ابتسامتها وقالت : لا ،
قلت : كيف لا ؟ فكشرت وقالت
بحدة : لن أتعلم !!!!
حاولت إقناعها بهدوء بأهمية هذا الأمر
ففاجأتني بصرخة مدوية كادت
تصم مسامعي،
أصابني ذهولٌ شديدٌ وأنا أراها تصرخ بدون توقف ،
أخذت أتوسل إليها أن
تهدأ دون جدوى ،
ولم تتوقف إلا بعد أن هددتها بالاتصال بأبي،
فعادت إلى هدوئها
ورقتها .. لم يكن من الصعب أن أكتشف
أنها كانت تدعي الرقة والوداعة،
وأن صوتها هذا الذي كان
سببا في إعجابي بها
كان يخفي من خلفه بركاناً خامداً يثور لأي سبب ،
لقد أصبح كلامها كله لي أوامر عصبية متشنجة،
ولم تعد تهدأ إلا إذا
هددتها بالاتصال بأبي،
فتعتذر بشدة وتؤكد أنها لن تعود إلى هذه الأفعال.
سألت
والدتها عن أمرها هذا ؟؟؟،
فقالت وهي تكاد تبكي إن ابنتها قد أصيبت
بصدمة عصبية في
طفولتها أفقدتها الاتزان
وجعلتها تثور لأقل سبب، لم أقتنع ،
وسألتها: لماذا لا
تهدأ ولا ترتدع إلا أمام أبي،
فأخبرتني أنها منذ طفولتها كان كثيراً مايعطف عليها
ويأتي لها بالحلوى واللعب ، ومن أيامها وهي تحبه
وتحترمه أكثر من أي إنسان آخر.
يا
إلهي !!! إن والدي كان يعلم بحالتها ولم يخبرني،
لماذا فعل أبي ذلك معي ؟؟؟"
" قبل أن أفاتح أبي أني سأطلقها فوراً
قدر الله أن استمع في المذياع وإذ يتكلم الشيخ
بحديث
لرسول الله ﷺ يقول فيه:
" إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن
رضي وصبر
فله الرضا، ومن سخط فله السخط "
حديث حسن غريب من هذا الوجه
تخريج السيوطي : عن أنس. تحقيق الألباني : (حسن)
ونزل الحديث على قلبي كالماء البارد
في اليوم الحار،
فعدلت تماما عن فكرة الطلاق،،،
وفكرت أن هذه هي فرصتي الذهبية
كي،،،
أنال رضى الله عزّ وجل بعد أن أذنبت في حياتي كثيراً،
وقررت أن أصبر على هذه
الزوجة ،،
عسى أن يصلحها الله لي ...
ومع مرور الوقت تحملت الصراخ الدائم في المنزل،
وكنت أضع
القطن في أذني لكي لا اسمعها ،،
فكانت تزيد من صراخها في عنادٍ عجيب،
هذا إلى جانب الضوضاء التي لا
تهدأ في الشارع
الذي نسكن فيه حيث يوجد أكثر من أربعة محلات
لإصلاح هياكل
السيارات،
ولأن عملي يتطلب هدوءا في المنزل،
فقد كدت أفقد عقلي أمام
هذا السيل
الصاخب من الضوضاء،
ولكن كان دائماً يمدني حديث الرسولﷺ:
" إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن رضي وصبر
فله الرضا، ومن سخط فله السخط "
الذي
كتبته أمامي على الحائط بخط جميل ـ
بشحنةٍ جديدةٍ من الهدوء والصبر،
وكان ذلك يزيد
من ثورة زوجتي..
وهكذا استمرت أحوالنا شهوراً طويلة
كاد أن يصيبني فيها صدمة عصبية
أشد من تلك التي أصابتها ،
أصبح الصداع يلازمني في أي وقت ،
وأصبحت أضطرب وأتوتر
جدا لأي صوتٍ عال ،
و ذات مرة نصحني إمام المسجد المجاور لبيتي
ألا أدع دعاء جاء في القرآن
الكريم وهو
" ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
واجعلنا للمتقين
إماما "
حتى رزقنا الله بطفلنا الأول،
وكان من نعمة الله علينا في منتهى
الهدوء
لا يكاد يصدر منه صوت !!!
بكاؤه حالم كأنه غناء، وكأن الله
عوضني به عن
صبري خيرا.
وفرحت به زوجتي جداً ورق قلبها وقل صراخها،
وأيقنت أن همّي سيكشفه الله
بعد
أن رزقنا بهذا الابن الجميل...
والآن وبعد طفلنا الثاني تأكدت من تخلص زوجتي تماماًمن أي أثر لصدمتها القديمة،
فسبحان الله الشافي المعافي الذي أبرأها من مرضها،
ثم إن الله منّ علينا من كرمه فانتقلنا من سكننا القديم
إلى منطقة هادئة جميلة لا نسمع فيها ما كنا نسمعه
" سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم "
ولقد ازداد يقيني أن الصبر على البلاء
هو أجمل ما يفعله المسلم في هذه الحياة،
وأنه السبيل الوحيد للوصول إلى شاطئ النجاة ...
فالحمد لله على كل شيءٍ أنعمه علينا ...